قصة بمناسبة ذكرى زلزال سيتشوان الصينية
فجأة ارتعشت الأرض و ارتدت من تحت أقدام الناس و تشققت الطرقات و تهدمت البنايات و من كل المسارب سقطت الجسور و اندفع الناس فزعا من الخوف على حياتهم يصيحون يستغيثون إنها الكارثة ... انه زلزال سيتشوان.. ماعدا شخص واحد ظل يتأمل ما جرى في دهشة و كأنه غير مبال بما يجري فتسمع الناس يقولون له : هيا تحرك انه زلزال لا تبقى هنا ،و بعد برهة من الزمن بدأ يتحرك عندما هدأ الزلزال و هو يسمع صياح و عويل و أنين النساء و الأطفال من تحت الأنقاض، لكن الزلزال قاس فقد عاود الرجة هذه المرة خفيفة نعم خفيفة بعدما دمر كل شيء تذكر الرجل آية قرآنية تقول إذا زلزلت الأرض زلزالها * و أخرجت الأرض أثقالها* فقال الإنسان مالها * يومئذ تحدث أخبارها* بأن ربك أوحى لها * صدق الله العظيم ..... الكل خرج ولكن المنافذ انسدت أمام الناس ،و الشوارع غصت و أصبحت ركاما من الحجارة و الأتربة و الفوضى دبت في كل مكان .... ملامح المدينة تغير فجأة آه أين ذهب بك الزلزال يا ونتشوان .... لم يبقى أمامه أي حل فالرجل شبع تأملا و أخيرا قرر أن يندفع بجسده غير مبال بالأخطار التي تحدق به من كل جانب و هو يرى بأم عينيه الفزع الكبير والفوضى و الناس تهرول و تولول و الرجل غير عابئ لما حصل و لا يريد أن يستسلم للقدر و للهزيمة و مرارة الضياع و يأبى أن يطيع من جاءه صارخا في وجهه هيا تحرك ....... شمر على ذراعيه و تقدم ثابت الخطى حذرا مسرعا لكل من طلب النجدة و كأنه شبح يتحول بين الركام تحت و فوق الأنقاض و بين حطام و حطام و كل من يصيح له توقف انك تلعب بالنار و ستلقى حتفك فالمكان خطر عليك تراه يلتفت إليه مبتسما رغم المرارة و كأني به يقول دعك من هذا الكلام فلا مفر من الموت انه شجاع فالرجل يمد يده تارة لهذا الطفل يجذبه من تحت الأنقاض و طورا يجذب طفلة أو امرأة أو شيخا مسنا يرفعه فوق ظهره و يوصله إلى مكان آمن ثم يعيد الكرة ... و على رأسه قبعة سوداء خدشتها الحجارة و امتلأ وجهه غبارا و أخشاب تهوي على جسمه النحيف يعانق الكلس و يقاوم بشدة و بيديه و رجليه لا معول و لا فأس يحملهما .. كل الناس صفقوا معجبين بشجاعته رغم ما أصابهم من هلع و جراح و كسور... تتيبس يداه و يحاول إنقاذ المزيد و المزيد من بني جنسه و يظل هذا الرجل الصيني يبحث إلى أن بدأت تخور قواه... و طوال الليل لم يهدأ له بال رغم المعاناة ،و رغم تواصل الارتدادات الزلزالية . يريد أن ينام و لا ينام و يغمض جفنيه و لا يغمض انه هذه المرة على غير عادته ... و أخيرا تراءى له الفجر بعيدا ،و خانت الشمس الشعاع ،و خانت عقرب الثواني كل الساعات و انطفأ النور و انقطع الماء و تغيرت ملامح ونتشوان التي كانت بالأمس جميلة رائعة فأصبحت كئيبة حزينة كيف كانت و كيف أصبحت ؟ و راح يبحث عن جواب و لم يجد غير الصبر بيوت جيرانه تهدمت.... أين بيت جاري فلان و أين مدرستي و أين حديقة كذا و ...و ... ؟ سمع أنين صوت امرأة تطلب النجدة من تحت أنقاض، سمع صوت صبي يبكي فزعا سيموت من الجوع قدم له طعامه سمعة فتاة تئن من شدة الألم و العطش فسقاها ماءا و ضمد جراحها و فجأة صاح الرجل صيحة عاودت فيه الحنين ،انه البطل المنقذ و المسعف، الذي قرر أن لا ينحني و أن يكافح و يتحدى الزلزال و لو كلفه ذلك حياته . لم يكن بطلنا وحيدا بل كانت تقاوم معه أحلامه هي أطفاله و قصائده هي أهله و أصدقائه و اسم الله كان آخر ما نطقت به شفتاه قبل أن يستشهد في سبيل إنقاذ الآخرين. فقط كان يأمل بأن يعانق العيد مقاطعة سيتشوان الصينية و تخرج من شرنقته فراشة تنقل عطر الربيع ناشرة الأمل و الطمأنينه في قلوب الأحياء الذين بقوا كان ينتظر الرحمة تنزل على أرواح الشهداء الذين لقوا حتفهم. انه بحق قاهر الكارثة و أي كارثة ..... أمله الوحيد أن يرى ونتشوان تعود إلى حياتها الطبيعية و كان يأمل الكثير لكن عقرب الثواني قد خانت عقرب الساعات و رحل البطل الرجل الشجاع الطيب ،لكنه لم يرحل و مع كل ذكرى عيد هو آت لا محالة ...يا لنهايات الأبطال
اضف تعليقك على هذه المادة
|
|
|