الحصول على تأشيرة زيارة لأمريكا تمنح حاملها الراحة النفسية بخاصة إذا كان هذا الشخص من الدول غير المرضي عنها لدى أمريكا . سواء كان فرحا بالحصول على التأشيرة ذاتها أو فرحا بانتهاء معاناته التي خاضها في الحصول على تلك التأشيرة . لكن من المؤكد أن هذه الراحة لا تعدلها راحة غير أن تتخلص من فضلات البارحة في دورة الخلاء .
ذهب صديقي السوداني إلى السفارة الأمريكية في الرياض لجلب نموذج تأشيرة زيارة إلى أمريكا وذلك ثاني يوم من حدوث التفجيرات . إذ أن كفيله السعودي تحاشيا لأي إحراج فضل إرسال مكفوله السوداني . فاستقبله حارسا السفارة الأمريكية مرحبان به ، أحدهما أثيوبي الجنسية والآخر هندي الجنسية . وتجاذبا أطراف الحديث واستفسرا عن سبب وجوده . فشرح لهما الأمر . فحصلا منه على عنوانه كاملا من رقم الهاتف ورقم الجوال وصورة إقامته واسم اقرب الأقربين له واسم ابعد الأبعدين من عائلته . وفي النهاية طلبا منه الحضور بعد أسبوع إذا أن السفارة مغلقة ذاك اليوم .
العام الماضي كنت في زيارة إلى عمان ولاني لست ابن البلد فقد مررت خطأ بجانب السفارة الأمريكية الواقعة في حي عبدون وأراد الأولاد شراء قثاء ( فقوس) من بائع متجول يضع بضاعته على طرف الطريق . ما أن أوقفت السيارة حتى لحقت بي عربتين عسكريتين نوع هامر جيب . لكن الذي شفع لي والله أعلم أن الجنود الأردنيون رأوا السيارة مليئة بالزوجة والأطفال فاقتنعوا انه لا يمكن أن أقوم بعملية انتحارية مع الزوجة والأطفال فتحامل الجند على أنفسهم حتى الانتهاء من شراء القثاء ومضينا إلى حال سبيلنا نبحث عن الطريق الصحيحة للعودة إلى حي ذراع .
عاد صديقي السوداني بعد أسبوع . إذ انطلق إلى السفارة الساعة الخامسة صباحا لكنه وجد أمامه في الطابور 50 شخصا . وبعد التحادث مع المراجعين علم أن السفارة تقبل 70 طلب كل يوم . فارتسمت على محياه ابتسامة الرضا في انه سينجز المهمة اليوم . في تلك الأثناء كان يقوم على تنظيم صف المراجعين وكيل عريف سعودي اسمه عرفات . أما العسكري السعودي الذي يقف عند مدخل الباب الرئيسي لمبنى السفارة فكان اسمه عبدالله .
وعندما قبلت السفارة الطلب رقم 50 جاء القنصل الأمريكي صارخا :" استوب ، كفى اليوم . على المراجعين أن يأتوا غدا " . سأل صديقي السوداني المراجع النيجري الذي أمامه صاحب الرقم 50 كيف تسنى له أن يأتي باكرا . أجاب :" انه نام في حي السفارات عند صديق له حتى حصل على رقم 50" حوقل صاحبي السوداني وعزم على أن يأتي باكرا بعد صلاة الفجر .
لم يتحرك المراجعين خطوة واحدة للوراء حسبما طلب القنصل الأمريكي بل تسمروا في أماكنهم فجاء العسكري عبدالله شاهرا قائمة أسماء المراجعين وخاطبهم " على المراجعين أن يخرجوا من السفارة " وقام بتمزيق القائمة . فاحتج المراجعين وثاروا غضبا . فتوجه أحد المراجعين إلى عرفات .
المراجع : "يا عرفات شوف لنا ذاك أبو مازن" مشيرا إلى العسكري عبدالله “كلمه أن يدخلنا السفارة اليوم”
مراجع ثاني: " يا عرفات خريطة الطريق هذه لا تعجبنا . ادخلوا عليها بعض التعديلات "
مراجع ثالث : " يا عرفات شوف لنا مبارك يتوسط لنا "
مراجع رابع" " يا عرفات شايف اتفاقية أوسلو شو عملت بينا ؟"
فامتزج الهرج بالفكاهة لمدة ساعتين وهم ينادوا على عرفات أن يخاطب لهم الرئيس العربي الذي يختارونه ليسهل لهم معاملتهم لدى السفارة الأمريكية .وعرفات يبتسم لهم وينظر إلى البطاقة السوداء المعلقة على جيب كتفه الأيسر ليتأكد من أن اسمه محفور عليها وانه هو المعني بالنداء.
ففي ذلك اليوم اعتمدت السفارة الأمريكية نظام جديد يقوم على أن المراجع يتوجب عليه أولا أن يتصل هاتفيا بالسفارة لتضرب له موعدا في يوم وتاريخ معين وعلى المراجع القدوم للسفارة في ذلك الموعد ليقدم أوراقه . ومن يرغب في عدم الحصول البتة على تأشيرة زيارة لأمريكا فليقدمها من خلال وسيط وليكن هذا الوسيط يعمل في السلك الدبلوماسي لدولة مغضوب عليها .
ففي العهد القريب كانت السفارة الأمريكية تمنح تأشيرة الزيارة في خلال ثلاثة أيام فقط . واليوم تمنح التأشيرة للجنسيات المغضوب عليها في خلال ثلاثة شهور مع احتمال رفض الطلب . مع أن من صلاحيات السفارة الأمريكية منح تأشيرة الزيارة لما نسبته 7% من الطلبات اليومية المقدمة دون الرجوع إلى اعتماد الطلبات من دائرة الهجرة الأمريكية التي تأخذ الطلبات وتدرسها وتعرض صورة مقدم الطلب على محللين نفسانيين لدراسة الشخصية مستخدمين آخر ما توصل إليه علم الإجرام ومن ثم تقرر دائرة الهجرة الأمريكية الرفض أو منح التأشيرة .
توجد في أمريكا لوحات تقول " هذه هي أمريكا إما أن تحبها أو تتركها " . فعملت أمريكا على نقل هذه اللوحات إلى خارج أمريكا ووضعتها في سفاراتها ولسان حالها يقول " هذه هي أمريكا إما أن تقبلها أو لا تدخلها " . وها هي أمريكا قادمة إلينا بقدها وقديدها . فلا داعي لتقديم طلبات زيارة لها .