هذه أمثال تبين أن الحكمة الشعبية ثرية ثراء لا يوصف، إذ جعلت لكل حالٍ حكمة، ولكل احتمال عبرة. ولكن إذا أشاد مثلٌ ما بالأب وجعله رب العائلة وعمادها وناقضه مثل آخر يُعدُّ الأم ركيزة العائلة وحاضنتها فليس لأن الفكر الشعبي متناقض، بل لأن التجارب والحالات شديدة التنوع، ولكل حالة وتجربة مثل. مثال على ذلك الولد يطلع لأبوه و البنت تطلع لأمها .. فعندما تخطب البنت خطيبها يوافق بناء على تصرفات أمها فيقول المثل : كب الطنجرة على فمها تطلع البنية لأمها .... و معنى ذلك أن تصرفات والدة البنت المخطوبة هي التي تقرر مصير ابنتها فان كانت تصرفاتها سليمة فالبنت تتم خطوبتها و بالتالي قبولها و اذا كان العكس تصرفات الأم غير لا ئقة فان البنت ترفض خطوبتها ...بسبب تصرفات والدتها . أما الأب الذي يعتبر رب العائلة فان تصرفاته أيضا لها دور عندما يكون حريصا على تربية ابنائه أحسن تربية و اذا كانت تصرفاته غير لا ئقة مثلا فان ابنائه يواجهون نفس المصير و يلقون صعوبة في التعرف على بنت الحلال ... هناك أمثلة متنوعة و تتداول بين الناس و خاصة في بلاد المغرب العربي على سبيل المثال لا الحصر : هناك مثل يقول : رضيت بالهم و الهم ما رضى بي و اعتقد أن المعنى واضح و هذا المثل ينطبق على أغلبية العرسان الذين تراهم في فترة الخطوبة يحلمون و عندما يتزوجون يجدون أن تلك الأحلام تبخرت فتبدأ المشاكل من العام الأول ... هناك مثل آخر يقول لسانك صوانك إذا خنته خانك و المثل أيضا واضح في معناه هذه الأمثال لو اقتصرت على إظهار جزء من الخبرات الاجتماعية المتناقضة لما حق للدارسين أن يعدوا الأمثال صورة للفكر الشعبي وللتقاليد الاجتماعية، ولكان ظهر جزء من الصورة وخفي جزء. وظيفة الأمثال ليست قطعاً إظهار الشعب في مظهر منطقي متجانس أمام الدارسين. بل الأمثال خزانة تراث و حكم تتراكم فيها صور الحياة وعبرها بكل تناقضاتها وتنوّعاتها. ... المثل الشعبي مثلا يعبّر أصدق تعبير عن حياة الناس وسط بيئات مختلفة حسب الوضع الجغرافي، فهناك البيئات، البحرية، الداخلية، الجبلية، والصحراوية، لذلك فإن التعدد والتنوع نتاج جغرافيا المكان والتطور التاريخي، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى تباين بالمفاهيم من منطقة إلى أخرى، ولا يلغي هذا الاختلاف البسيط وحدة المفاهيم التي قام عليها المثل الشعبي لأنه المرآة التي ترى ما بداخلها وتكشف ما حولها وكل ما يمت بصلة إليها. يتبع...
اضف تعليقك على هذه المادة
|
|
|